نابلس حاضنة المال والأعمال
عرفت شكيم، حتى في عصور ما قبل التاريخ، عندما بناها أجدادنا الكنعانيون لأول مرة في العام 2500 قبل الميلاد، عرفت بكونها مركزا تجاريا مرموقا ومزدهرا، نظرا لموقعها الجغرافي المتميز وحنكة أهلها وإلمامهم بالتجارة، وباتت مركزا تجاريا هاما ومصدرا للعديد من السلع التجارية والزراعية. واليوم، وبعد مرور ما يقارب العشرين قرنا على بناء هذه المدينة على أيدي قادة الإمبراطورية الرومانية، ما زالت نابلس تعد، في يومنا هذا، ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد الفلسطيني، ومنتجا للعديد من السلع التي يتم تصنيعها في المئات من المصانع وورش العمل التي تزخر فيها والتي تصدر منتجاتها الى مختلف محافظات الوطن وإلى بعض دول العالم. وتتربع نابلس على عرش عدد من الصناعات على المستوى الفلسطيني، من حيث عدد الورش وكمية الإنتاج وجودة المنتجات مثل صناعة الصابون النابلسي، وحجر البناء والألمنيوم والمفروشات وصناعة الأزياء والصناعات الغذائية مثل الزيوت النباتية الألبان والحلويات والمكسرات. وطبقا للأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2009، فقد وصل عدد المنشآت العاملة في محافظة نابلس الى 13,742 منشأة موزعة بين مختلف القطاعات (الخاص والأهلي والشركات الحكومية)، ووصل عدد العاملين في هذه المنشآت مجتمعة الى 38,542 عاملا وموظفا. وقد شهدت نابلس ازدهار قطاع جديد هو قطاع الخدمات بما في ذلك الفنادق والمطاعم ومنشآت الوساطة المالية والاتصالات التي بلغ عدد المنشآت التي تديرها هذه القطاعات الثلاثة وحدها حوالي 900 منشأة تشغل ما يزيد على 4000 مستخدم. عاشت مدينة نابلس ظروفا سياسية واقتصادية واجتماعية غاية في الصعوبة خلال فترة الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت في شهر سبتمبر أيلول من العام 2000، وما رافقها من إغلاق شبه تام فرضته سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مداخل المدينة، إضافة إلى الحملة العسكرية التي شنها جيش الاحتلال الاسرائيلي على المدينة في منتصف شهر إبريل نيسان عام 2002، الأمر الذي أدى إلى إغلاق العديد من المنشآت والورش الصناعية وتدميرها، كما أدى إلى خسائر مالية باهظة قدرت آنذاك بعشرات ملايين الدولارات. وبناء على بعض المؤشرات، فقد قدرت الخسائر اليومية لمحافظة نابلس، في تلك الفترة، نتيجة سياسة الإغلاق حوالي 1.2 مليون دولار يوميا، كان نصيب القطاع الصناعي والتجاري منها بنسبة 42%، وقطاع الخدمات بنسبة 30%، والقطاع الزراعي بنسبة 20%، و2قطاع السياحة بنسبة 2%. واليوم، وبعد التحسن الملحوظ الذي طرأ على الحالة الأمنية السائدة في نابلس منذ بداية العام 2009، وإعادة انتشار قوات الأمن الفلسطينية في مختلف مناطق نابلس، ورفع الحصار الإسرائيلي الذي ظل مفروضا على المدينة لمدة ثماني سنوات بشكل جزئي، وما تلا هذا الاجراء من السماح للإخوة الفلسطينيين المقيمين في مناطق 48 من زيارة نابلس، فقد انتعشت الحركة التجارية في المدينة بشكل ملحوظ، واستعاد النشاط الاقتصادي فيها بعضا من عافيته، وانحسرت معدلات البطالة التي وصلت في العام 2005 الى 37% الى ما دون ال12,9%. وقد سجل خلال الاشهر الاخيرة افتتاح عدد من المرافق الخدمية والمنشآت التجارية الجديدة مثل المطاعم والمتنزهات العامة والمجمعات التجارية وأهمها مجمع بلدية نابلس التجاري. والآن، بقي لنا أن نقول أن مدينة نابلس أثبتت مجددا قدرتها الفائقة على قيادة الاقتصاد والتجارة الفلسطينية حتى في ظل أصعب الظروف، وبرهنت أنها حاضنة أمينة لرأس المال على المستوى الوطني.